وما تـقـرب إلى الله بأفـضـل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وحدوده ؛
فحريٌّ بنا أن نـضـرب مـن ذلك بـسـهـم وافــر ، ومن رحـمـة الله بعباده وفضله عليهم :أن شرع لهم ما يتعبدون به إليه سبحانه.
ولما كـان تـحـزيـب الـقـرآن من السنن المهجورة -بل المجهولة -عند كثير من طلاب العلم فـضـلاً عن عـامـة الـنـاس. في حـين كان الأمر متواتراً ومعلوماً عند السلف ، فقلما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا. .
سئل الشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله - من قبل أحد الحاضرين في درس له عن مسألة تحزيب القرآن عند الصحابة
كيف كان تحزيب القرآن عند الصحابة ؟ وكيف تختم القرآن على طريقتهم رضي الله عنهم وارضاهم في أسبوع ؟
أجاب قائلا
أنك تبدأ مثلاً في صلاة وتر يوم السبت وهو اليوم الأول بالقراءة حتى تنتهي في اليوم السابع بترتيب التالي
اليوم الأول = الفاتحة / وحتى / سورة النساء
اليوم الثاني = المائدة / وحتى / سورة التوبة
اليوم الثالث = يونس / وحتى / سورة النحل
اليوم الرابع= بني اسرائيل أي سورة الاسراء / وحتى / سورة الفرقان
اليوم الخامس = الشعراء / وحتى / سورة الصافات
اليوم السادس = صاد / وحتى / سورة الحجرات
اليوم السابع = ق وحتى آخر القرآن
بعض فضائل تلاوة القرآن:
إن الـنـصـوص الـدالـة على فـضـل القرآن أشهر من أن تورد ، إنما نورد هنا بعض فضائل تـلاوتـه ؛ قـال تعالى
(إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ وأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَـــارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ))، وقال -عز وجل-
(لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ *ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)).
أما من السنة :فالأدلة على فضله كثيرة ، ومن فضائله :
1- أن المـاهـر بـه مع السفرة الكرام البررة ، والذي يتتعتع فيه له أجران ؛ كما في حديث عائشة عند الشيخين والترمذي وأبي داود.
2- أنه يقال له يوم القيامة
اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)؛ كما أخرجه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً.
3- أن له بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها كما أخرجه الترمذي والدارمي من حديث ابن مسعود.
4- أن الآية منه خير من الخلفة السمينة ، كما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
5- أن مثل المؤمن الذي يقرؤه مثل الأترجة ، كما رواه الستة إلا ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري.
6- أنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة ، كما رواه مسلم عن أبي أمامة.
7- تنزل السكينة لقراءته ، كما رواه الشيخان من حديث البراء.
8- أنه يقود قارئه يوم القيامة لتاج الكرامة ورضا الله-عز وجل- ، كما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
فائدة :
هل يكون التحزب بالسور أو الأجزاء ؟
عقد شيخ الإسلام ابـن تـيـمية لهذه المسألة فصلاً في الجزء الثالث عشر من مجموع الفتاوى ورأى أن التحزيب المشروع هو أن يكون بالسور للأمور الآتية :
1- أن الـمـنـقـــــول عن الصحابة هو التحزيب بالسور لا بالأجزاء وذكر حديث أوس بن حذيفة، وقد سبق في أول البحث .
2- أن الأجزاء والأحزاب محـدثـة وفـيـــه حديث أوس أنهم حزّبوه بالسور، وهذا معلوم بالتواتر فإنه قد علم أن أول ما جُزئ القرآن بالحروف تجزئة ثمانية وعشرين ، وثلاثين ، وستين هذه الأجزاء التي تكون في أثناء السورة، وأثناء القصة ونحو ذلك كـان فـي زمــــن الحجاج وما بعده وروي أن الحجاج أمر بذلك. ومن العراق فشا ذلك ولم يكن أهل المدينة يعرفون ذلك (13/409) .
3- أن هذه التحزيبات تتضمن دائماً الوقوف على بعض الكلام المـتـصــــل بما بعده حتى يتضمن الوقوف على المعطوف دون المعطوف عليه ، فيحصل القارئ في اليوم الثاني مبتدئاً بمعطوف كقوله - تعالى - : ((والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ))[النساء:24] وقوله ((ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ))[الأحزاب:31] وأمثال ذلك ، ويتضمن الوقف على بعض القصة دون بعض - حتى كلام المتخاطبين - حتى يحصل الابتداء في اليوم الثاني بكلام المجيب كقوله - تعالى -
(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً))[الكهف:72] ومثل هذا الوقوف لا يسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي ، ولهذا لو ألحق بالكلام عطف أو استثناء ، أو شرط ونحو ذلك بعد طول الفصل بأجنبي لم يسغ ذلك بلا نزاع.
4- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كــان عــادتــه الـغـالبة وعادة أصحابه أن يقرأ في الصلاة بسورة كـ ( ق ) ونحــوها وكما كان عمر - رضي الله عـنه - يقرأ بيونس ويوسف والنحل .. وأما القراءة بأواخر السور وأواسطها فلم يكن غالباً عليهم .
وقال: "وإذا كان تحزيبه بالحروف إنما هو تقريب لا تحديد، كان ذلك من جنس تجزئته بالسور هو أيضاً تقريب،فإن بعض الأسباع قد يكون أكثر من بعض في الحروف وفي ذلك من الـمـصـلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض ، والافتتاح بما فتح الله به السورة، والاختتام بما ختم به ، وتكميل المقصود من كل سورة ما ليس في ذلك التحزب. وفيه أيضاً من زوال المفاسد الذي في ذلك التحزيب ما تقدم التنبيه على بعضها".
وبعد هذه الوقفات السريعة أرى أنه لا يليق بشاب مسلم طالب للعلم ، يحمل بين كاهليه هم الإصلاح والتغيير ودعوة الناس - لا يليق به أن لا يكون له حزب من كتاب الله قل أو كثر . ومهما ادعى الإنسان المشاغل فهذه الدعوى تحتاج للبينة ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى أقوام دماء أناس وأموالهم . وهذا دليل على قلة اهتمامه ، ومتى كانت تلاوة كتاب الله وإصلاح النفس وعبادة الله - عز وجل - مما لا يفعل إلا في وقت الفراغ .
ففي التحزيب تأسٍ بالسلف - رضوان الله عليهم - وفيه علاوة على ذلك تحقيق لهديه - صلى الله عليه وسلم- في المداومة على العمل الصالح فقد كان عمله دائماً، وكان يقول: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" . وفيه أن الإنسان يُكتب له حزبه إذا شغله عنه مرض أو سفر.
وفيه أيضاً تعاهد القرآن كما أمر بذلك - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها" .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقّلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت".