--مقال منشور بدروب
زيف القيم واضطرابات العقل : نحو البحث عن أرضية فكرية صلبة لوعي جديد
بقلم عبد القادر بنعثمان
- جزء أول -
مدخل ضروري
دون فخر أو مجاز
أنا حيّ وناس الماضي أموات
ومناّ اليوم من يريد ،ويصرّ، ويحبّ
أن يموت بالحياة
فلهم ما شاءوا ….
غير أن الدهر أوجدني بعد معارفهم الماضية
وأضاء روحي بالشمس ،و الأزهار،
و الطيور المحلّقة…
وجعل غذائي من ثمار الفصول والعصور كلّها
وشجعني على أن أستأنف بمفردي مسيرة الحياة
ومعي من الحاضرين من يحبّ أو يشاء …
- في ضرورة التأسيس المعرفي الجديد
مثل كلّ عدوى في الأمراض الخبيثة انتقلت تدريجيا عدوى ثقافة المدح
والهجاء من القصيدة العربية العمودية إلى العمق الفكري العربي الإسلامي
ومن ثمة إلى بنيته الروحية والوجدانية العامة انتقالا غير منظور أثّر في
تكوين السمات النفسية الذهنية للشخصية العربية الإسلامية تأثيرا عميقا
بيّنا، وطبعها بميسم الانفعال السريع والسطحية إلافي الأقل النادر، وقد
حدث ذلك وفق آليات ذهنية ونفسية عديدة اشتغلت في صمت وتواطؤ بين الشعراء
القدامى ونقاد الشعر من جهة وبين مؤسسات صناعة الذوق الجماهيري العام من
جهة ثانية فمرّت من جيل إلى جيل ،متخطية العصور والأزمان ،متحدّية كل
المتغيّرات إلى أن بلغت عصرنا هذا واستقرت في نظم التفكير المرجعي توجّه
أي محاولة لتأصيل كياننا ومعرفتنا بذواتنا والدفاع عن هويتنا إلى المنبع
الأول وتفرض – دون وجه حق – على كل محاولات الإصلاح والنهضة الانطلاق منها
والبناء على أسسها ، رغم ما شهدته هذه الثقافة في حقب تاريخية مختلفة من
تراجع في فاعليتها وتأثيرها في أهل الهمم والمراتب كما أثبت ذلك العلامة
ابن خلدون بقوله :”ثم جاء خلف من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم من أجل
العجمة و تقصيرها باللسان و إنما تعلّموه صناعة ثم مدحوا بأشعارهم أمراء
العجم الذين ليس اللسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الأغراض كما
فعله حبيب و البحتري و المتنبئ و ابن هانئ و من بعدهم و هلم جرا. فصار غرض
الشعر في الأغلب إنما هو الكذب و الاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه
للأولين كما ذكرناه آنفا. و أنف منه لذلك أهل الهمم و المراتب من
المتأخرين و تغير الحال و أصبح تعاطيه هجنة في الرئاسة و مذمة لأهل
المناصب الكبير. و الله مقلب الليل و النهار” 1- ونحن نعرف اليوم بحكم
وجودنا التاريخي بعد ابن خلدون أن تغيّر الحال الشعري عند العرب لم يمسّ
في الحقيقة ذلك الارتباط البنيوي الوجودي للحضارة العربية الإسلامية
بنموذج القصيدة التقليدية وأغراضها الأمّ رغم كل ما ظهر من محاولات الخروج
عن عمود الشعر وإعلانات الثورة والتجديد التي عملت على تكسير التواصل
التاريخي الخطي لهذا النموذج بداية من منتصف القرن الثاني للهجرة إلى
يومنا الحالي حيث تواجه هذه المحاولات في كل مرّة بحالات ردّة نقدية
وشعرية قويّة ومهيمنة ،تكبح وتشلّ كل طموحات الإبداع المغاير ويشهد على
هذا الأمر طبيعة المشهد الشعري والنقدي المعاصر الذي يعرض اليوم علينا
كمّا هائلا من التظاهرات الشعرية والدراسات النقدية والمقالات والنصوص
المأخوذة بسحر الماضي وينابيعه العذبة الصافية و لا همّ لها إلاّ الدفاع
باستماتة على المعايير الشعرية القديمة لصناعة القصيدة باعتبار أنّ
القصيدة في ثوبها القديم الرفيع تمثل عنوان مجد للعروبة والإسلام ومقوّما
من مقومات الهويّة التي يمثل حمايتها واجبا قوميا ووجوديا يمنع من نجاح
محاولات الاختراق والغزو الثقافي التي تحاوله في السرّ والعلن ثقافات
العدوّ المفترض،إضافة إلى أن النص القرآني الذي كان وراء خروج العرب من
سجن الجغرافيا الصحراوية إلى فضاء العالم وحضاراته الكبرى العريقة كان
بلغة عربية .وهذه اللغة ليس لها من ذاكرة سوى الشعر. يقول ابن سلام الجمحي
(تــ231 هــ )في كتابه طبقات فحول الشعراء :”قال ابن عون، عن ابن سيرين،
قال : عمر بن الخطاب :” كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه” 2-
وفي هذا القول إثبات خطير لحقيقة مهملة في معرفتنا بهويتنا وهي أن الشعر
القديم كان هو عينه العلم ولا وجود للعلم خارج المدونة الشعرية العربية
الجاهلية وهو ما يفترض القول بأن شعراء الجاهلية هم علماء العرب الأوائل
وليس لنا من علماء في الماضي البعيد غيرهم بل إن علمهم هو علم من أرقى
العلوم أي العلوم الصحيحة التي لا يوجد أصحّ منها حسب تعريف عمر رضي الله
عنه .وهذا التعريف سيقطع أشواطا تاريخية طويلة في اتجاه الوصول إلينا
محافظا على جوهره من كل زيادة أو نقصان رغم التباعد الزمني والجغرافي بين
الشعراء الأوّل والنقاد اللاحقين حتى لمن اشتغل بعلم جديد خارج الشعر مثل
العلامة بن خلدون ، يقول:” واعلم أن فنّ الشعر من بين الكلام كان شريفا
عند العرب ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وشاهد صوابهم وخطئهم ، وأصلا
يرجعون إليه في الكثير من علومهم”3- ورغم التفصيلات الجديدة المضافة على
تعريف عمر رضوان الله عليه وسلامه فإن تعريف ابن خلدون لم يجر أي تغيير
جوهري عليه ،وهذا شاهد في وجهه الأول على درجة انغلاق المنظومة النقدية
العربية ومحافظتها على موروثاتها ومألوفاتها ورفضها لكل محاولات التجديد
وتحدّيها العنيف لما وقع من تبديل جذري للبيئة الصحراوية المنشأ ببيئة
حضارية جديدة تتكوّن من بنى ثقافية واجتماعية متنوعة و غنية بثقافات
وحضارات أخرى ضاربة في العراقة والقدم بالشكل الذي كان يسمح للعرب في تلك
الحقب بإمكانية إحداث السبق الحضاري في ابتكار مفاهيم ومضامين وأساليب
جديدة لنص شعري وأدبي مختلف أكثر عمقا إنسانيا ومعرفيا ووجوديا وأكثر قطعا
مع ثقافة المدح والهجاء كرؤية جاهلية للوجود وكطريقة إقامة على الأرض
وصناعة لفعل الحياة . أما في وجهه الثاني فهو دليل على أن هناك إجماع على
اعتماد هذا التعريف ، بشكل رسّخه في التاريخ ،يأخذه اللاحق عن السابق ،
ويرثه المعاصرون عن القدماء دون فحص حقيقته وتدبّر معناه الخطير الذي
يتلقفه أبناء عصرنا بكامل الاطمئنان والارتياح فتبنى على أساسه الأطروحات
الجامعية والمصطلحات النقدية في الجامعات العربية اليوم في غياب لأي
مساءلة للاستتباعات الفكرية الحضارية لهذا التعريف الذي سيحاول العقل
العربي الإسلامي الدفاع به عن مقومات وجوده الأصيل مباهيا به الآخرين من
الأمم والأفراد…
ورجوعنا اليوم إلى الشعر في دراستنا التي نسعى قدر الجهد أن نبتعد بها
عن الظنّ ونقترب بها من العلم لا نطلب به معرفة الشعر في ذاته وماهيته
ومقوّماته ولكن معرفة الشعر في علاقته بغيره من الخطابات حيث لا سبيل إلى
فهم حقيقة بنية العقل العربي إلا عبر الشعر ولا الطّموح إلى التغيير
والتأسيس إلا بفهم مكونات الأرضية المعرفية التقليدية للعرب التي ينطق
باسمها الشعر .. ولا يهمّنا التعريف في ذاته بل في قدرته على تفسير
الكيفية التي تتشكل وفقها مآزق التفكير والمشاكل النفسية في مجتمعنا
وحضارتنا العربية الإسلامية المؤدية إلى الانغلاق ورفض تغيير ما بالنفس
وعدم الجدّية في طلب تحقيق شروط التقدم والنهضة .وعلى هذا الأساس انطلقنا
من الشعر لا باعتباره حمارا قصيرا يستطيع ركوبه من يشاء بل باعتباره حسب
قراءتنا وافتراضنا ممثلا في وجهه العمودي أخطر مصنع، منسي ومهمل للتخلّف
المعرفي الحقيقي للعرب والمسلمين ومغذّي للخصوصية النفسية الانفعالية
لشخصيتنا القومية ..ومن الأكيد أننا لا نقدّر بشكل جديّ مدى خطورة الإقرار
بأن علوم العرب والمسلمين محكومة بطبيعة منشأها الثقافي العام في أحضان
الشعر بقدر عجيب :هو إفراغ العلم من حقيقته ودلالته وإخضاعه للماضي
والتقليد ودعم حنينه المستمر إلى حبّه الأول الذي هو الشعر العمودي وهو
الأمر المخالف لجوهر العلم الاكتشافي المستقبلي و التثويري.
كما أننا نجد أن الشعر الذي يتماهى مع العلم في التعريف الحضاري العام
تتقلص حدوده وموسوعيته كلّما نزلنا به من علياء التنظير والعموميات إلى
واقع المدوّنة الشعرية العربية لتتعرى بذلك حقيقته لحظة الخضوع لمحاولات
العقلنة النقدية ومشرحتها المتشكلة في الخطاب النقدي العربي القديم ببطء
وتردد .يقول ابن رشيق في تعريف الشعر :” الشعر يقوم بعد النية من أٍربعة
أشياء ، وهي : اللفظ والوزن والمعنى والقافية”4- ثم يقع حصر هذه الخلطة
الرباعية لوصفة الشعر في أركان أربعة بعد التجاهل والتناسي التام بأنه علم
قوم ليس لهم علم أصحّ منه أو أنه في أبسط الأحوال “علم من علوم العرب “على
حد ّ تعريف القاضي الجرجاني ..فنجد ابن رشيق يحدّد أركانه بالقول :” وقال
بعض العلماء بهذا الشأن : بني الشعر على أربعة أركان وهي المدح والهجاء
والنسيب والرثاء “5-.. ثم يقع اختزال الأركان والأنواع والأغراض الأربعة
في صنفين لا ثالث لهما هما المدح والهجاء يقول صاحب العمدة : “وقال قوم
:الشعر كله نوعان : ” مدح وهجاء …..”ّ6-وعلى هذا الأساس تمّ التأسيس
النقدي لقواعد الشعر بالاعتماد على المصادر الانفعالية والعاطفية الصرفة
له و يقع فيها إقصاء وإهمال كل ما له علاقة بالعقل والعلم والموسوعية
والتاريخ رغم أنها كانت منطلقا حضاريا أساسيا يشرب من عينها الفوّارة جميع
اللاحقين ..يقول صاحب العمدة في تحديد قواعد الشعر :”وقالوا قواعد الشعر
أربع: الرغبة والرهبة والطرب والغضب: فمع الرغبة يكون المدح والشكر ، ومع
الرهبة يكون الاعتذار والاستعطاف ، ومع الطرب يكون الشوق ورقة النسيب ،
ومع الغضب يكون الهجاء والتوعد والعتاب الموجع ” 7- وحين نتوقف قليلا أمام
ما تقدم نلاحظ أن حدّ الشعر عندما ينتقل من دائرة الخطاب الحضاري العام
إلى دائرة الخطاب النقدي الإجرائي يواجه مأزقا خطيرا لا يتم تجاوزه إلا
عبر خطاب التبرير والخضوع إلى بهلونيات الروح العربية الجاهلية التي هي
روح شعرية أساسها المدح والهجاء وما تقتضيه من خطابة وحماسة و منافرة
مناقضة لروح المنطق والعلم فتهيمن الحماسة والروح اللاعقلانية على الحقائق
وتلوي أعناقها لويا وتخضعها قسرا وعنوة إلى معطيات قائمة في الأذهان
والأوهام لا في الوقائع والعلوم والصنائع وقد أورد صاحب العمدة قولا تظهر
فيه هذه الروح بجلاء يقول : “فوجب – إذا كانت العلوم أفضلها ما لم تشارك
فيه الحسوم – أن يكون أفضل الصناعات ما لم تشارك فيه الآلات – وإذا كانت
اللحون عند الفلاسفة أعظم أركان العمل الذي هو أحد قسمي الفلسفة وجدنا
الشعر هو أعظم أركان الفلسفة ، والفلسفة عندهم علم وعمل..”8- وبمقتضى هذه
الروح الانفعالية الخطابية التي تصنع للعرب حجابا سميكا يمنعها من رؤية
الحقائق يصبح الشعر هو أعظم أركان الفلسفة ويتمّ عقد أبواب للرد على من
ينقص من قيمة الشعر وأبواب في بيان فضائله ،يقول صاحب العمدة : “ومن
فضائله أن اليونانيين إنما كانت أشعارهم تقييد للعلوم والأشياء النفيسة
والطبيعية التي تخشى ذهابها فكيف بضنك بالعرب الذي هو فخرها العظيم
وقسطاسها المستقيم ؟…”9- ولولا السياق الجدّي لهذا القول لحملناه محمل
الهزل والتهكم والفكاهة لا محمل القول العلمي الجادّ إذ أن صاحب العمدة
وهو يخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء دهماء من إفراط الحماسة والمنافرة وروح
الهجاء نسي أنه قد كان أثبت فضيلة أخرى للشعر في نفس كتاب العمدة تناقض
فضيلة ما قاله عن الشعر باعتباره قسطاسها المستقيم يقول:” ومن فضائله أن
الكذب الذي- الذي أجتمع الناس على قبحه – حسن فيه وحسبك ما حسّن الكذب ،
واغتفر له قبحه “10-وعلى هذا النحو الحماسي الفياض والمغالط المهلكة تسير
قافلة المعرفة العربية في الانتقال من النقيض إلى النقيض دون أن تشعر
بالإرباك والخجل المعرفي في مسائل متصلة بتشكيل الوجدان العام والعمق
المعرفي العربي إلى درجة يصبح فيها الخلط بين الحضاري والنقدي وسوء الفهم
بين متطلبات المجال الفني ومتطلبات المجال الأخلاقي والخلط بين بنية النقد
وشروطه وبين بنية المعرفة والعلم ومقتضياتهما خاصية فكرية عامة لم ينتبه
إليها بحدّة وحساسية عالية وفطنة من بعد ابن خلدون سوى صاحب الموهبة الفذة
والخيال الخلاق والنقد العنيف الثائر الشاعر أبو القاسم الشابي إذ يقول :”
إن كل ما أنتجه الذهن العربي على وتيرة واحدة في مختلف العصور ، ليس له من
الخيال الشعري حظّ ولا نصيب ، وانّ الروح السائدة في ذلك هي النظرة
القصيرة الساذجة التي لا تنفذ إلى دواخل الأشياء وصميم الحقائق ، وإنما
همّها أن تنصرف إلى الشكل والوضع والقالب وما هو إلى ظواهر الأشياء أدنى
من دخائلها ” 11-والسبب المنطقي الذي يثبته الشابي بجلاء ودقة هو أن :”
الروح العربية خطابية مشتعلة ، لا تعرف الأناة في الفكر فضلا عن الاستغراق
فيه ، مادية محضة لا تستطيع الإلمام بغير ظواهر الأشياء ” 12- ويرجع
الشابي هذه الروح إلى الطبع الحادّ يقول :” لان الطبع الحاد متسرع عجول
.عجول في حكمه ، عجول في فعله ، عجول في قوله أيضا ” 13-..وبناء على ذلك
دعا الشابي قبل غيره من الكتاب العرب المعاصرين إلى القطع مع الموروث
الأدبي للعرب وعدم إتباعه :”وهذا ما دعاني لان أقول إن الأدب العربي أدب
مادي لا سموّ فيه ولا إلهام وانه لا ينبغي لنا إذا أردنا أن ننشئ أدبا
حقيقيا بالخلود أن لا نتتبع الأدب العربي ونظرته إلى الحياة لانها لم تعد
صالحة للبقاء في مثل هاته العصور التي تتوثب يقظة وانتباها “14-
إن ما يعمق حيرتنا وأسفنا الشديد هو أن تزداد ثقافة المدح والهجاء
المهيمنة على الروح العربية شراسة وانتصارا بعد هذا الخطاب، وبعد تطلعات
النهضة والتغيير الذي شهدتها الأمة العربية الإسلامية منذ بواكير القرن
العشرين وأن تتمكن من سحق وخنق الروح الشعرية والابداعية الجديدة وتحويل
معنى الحياة عند الشعراء والمبدعين الجدد إلى فعل موت وقتل للجديد
باستعمال نفس آلية المدح والتعظيم لمن يرفضها ويثور ضدها وذلك بالعمل على
تكريس سطح الجديد دون عمقه وأعلامه دون كتاباتهم وتجاربهم باعتبار أن هذه
الأعلام الإبداعية قد أصبحت في التاريخ بعد موتها جزءا من ماض مطمئن يحظى
بالإجماع و يحتمل كل أقوال الثناء والتقديس فتعمل المؤسسة النقدية ومؤسسات
صناعة الذوق الجماهيري على رفع هامتهم وشكلهم عاليا لا رفع معانيهم وقيمهم
،وفق عملية مناورة خطيرة تستهدف ترويض البعد الثوري في المفاهيم والتجارب
الجديدة وإفراغها من محتواها وكبح جماح كل خطاب ثوري مستقبلي والمزايدة
عليه بما هو خطاب شبيه له ومكون أساسي في الأصل لشرعيته …
كل ما تقدم يجعلنا نجزم بأن الإبداع في شكله الشعري أو العلمي في
ثقافتنا لا يحدث إلا باعتباره عملا مريرا مفردا، وفلتة من فلتات الزمن
يحدثه الهامش لا المركز وتحدثه الضغوط المختلفة القوية لا الحوافز
والتشجيعات .وتحدثه الحياة المضطربة القاسية لا الحياة المستقرة الهانئة،
ويغلب على معظمه – باعتبار الخلفية الثقافية العامة – المدح والتقليد
والتعظيم لا النقد والهدم والتجاوز.. إنه عكس إبداع وعلوم الغرب التي نشأت
في المدينة اليونانية في أحضان الفلسفة والهندسة وكانت قولة أفلاطون
المشهورة شاهدة على ذلك بقوله لا يدخلنّ علينا إلا المهندس ممّا جعل
الفلسفة تسم الفكر الإغريقي والغربي عامة بميسم التصور العقلي والهندسي
المؤسساتي للعالم بينما يسم شعرنا القديم فكرنا العربي بميسم التصور
الانفعالي الذاتي والتكسبي للوجود مما أدّى إلى نتيجة أنّ أكثر حملة العلم
في الملّة الإسلامية سواء في العلوم الشرعية أو العقلية كانوا من العجم
كما أثبت ذلك العلامة ابن خلدون واصفا ذلك بالغريب يقول :” الغريب الواقع
أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية و لا
من العلوم العقلية إلا في القليل النادر. و إن كان منهم العربي في نسبته
فهو أعجمي في لغته و مربّاه و مشيخته مع أن الملة عربية و صاحب شريعتها
عربي. و السبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم و لا صناعة
لمقتضى أحوال السذاجة و البداوة و إنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله
و نواهيه كان الرجال ينقلونها في صدورهم و قد عرفوا مأخذها من الكتاب و
السنة بما تلقوه من صاحب الشرع و أصحابه. و القوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر
التعليم و التأليف و التدوين و لا دفعوا إليه و لا دعتهم إليه حاجة.” 15-
والحمد لله أنّ ابن خلدون قد قال هذه الحقيقة -التي يتعامى عليها العرب
اليوم تعاميا كاملا – في وقت لم تكن فيه أمريكيا موجودة يومئذ في الخريطة
الحضارية العالمية أصلا .ولم تبدأ الصهيونية العالمية مخططاتها في بناء
إسرائيل الكبرى ولا ظهر الاستعمار الأوروبي في العالم ،وإلاّ لكان العقل
العربي الهجائي انطلق في كيل تهم العمالة والكفر والتصهين بسهولة ويسر
وآلية لأصحاب هذا الرأي …
إن الربط بين مفهومي شعر /علم ربطا ماهويا بقدر ما دل ّعلى فقر البيئة
العربية الجاهلية من العلوم بحيث أصبح خطاب الشعر في غرضيه الأساسيين –
مدح وهجاء -هو السيّد الأول وسلطان الزمان والمكان يلغي كل خطاب آخر
ويستحوذ عليه يفيدنا من الوجهة التاريخية أن هذا التلازم بين العلم والشعر
وما يتضمنه من الكشف المعرفي عن فقر الحياة العلمية والإبداعية المدقع في
البيئة الجاهلية قد مثّل لحظة هجرته في سفينة النص القرآني الفاتح إلى
العالم ومنه إلى المستقبل الممتدّ حتى يومنا هذا أكبر عائق ذهني ونفسي
حقيقي لصناعة العلم و إنتاج الشعر على حدّ سواء فلا العلم أمكن له أن
يستفيد من المتغيرات الكبرى في حضارتنا العربية الإسلامية السابقة وعلوم
الحضارات الأخرى الوافدة ،وأن يستقلّ بمنهجه وموضوعه وأهدافه وأن يضبط ما
يحتاجه في بنيته الداخلية من أجهزة مفهوميه واصطلاحية بدقة وموضوعية .ولا
الشعر كذلك استطاع أن ينمو وينضج خارج الروح العربية العامة التي هيمنت
عليها ثقافة التسوّل والتكسّب وما تقتضيه من مدح وهجاء استرضاء لأهل المال
و المراتب والسلاطين ولا تمكّن من اجتراح جماليته وشعريته ومقومات صناعته
الخاصة في تواشج وتفاعل مع المعارف والفنون بجرأة وكفاءة دون أن يخضع إلى
عملية مساومات فكرية رخيصة وإلى لحظات ردة نفسية وفكرية واجتماعية عنيفة
تحتمي بالماضي التليد الموهوم كعنوان وفاء وأصالة وإخلاص لجوهر العروبة
والإسلام ومتّّهما أصحاب محاولات التجديد والتغيير الأحياء بأخطر التهم
بدءا بالتشكيك في سلامة الهوية والوطنية ،مرورا باتهام صحّة العقيدة وصولا
إلى التشكيك في التمكّن العلمي والمعرفي لهم وذلك ما يترجم سرّ الجهد
الثقافي العربي العام في إضفاء قداسة تاريخية على هذا الشعر القديم
استمدها من وهم قداسة اللغة العربية التي استمدتها بدورها بشكل غير منتظر
ولا متوقع من حادث قداسة النص القرآني الذي قاومته العرب و قاتلت أصحابه
ونكّلت بهم وهجّرتهم جميعا في إطار الصراع القيمي بين منظومتين مختلفتين
كليا منذ بادئ التاريخ وهما منظومة الحداثة المنتصرة للانسان والمحررة له
دائما- ومعلوم أن لكل حقبة تاريخية حداثتها – ومنظومة القدامة القاتلة
للإنسان والمستعبدة له ..والغريب أن قداسة اللغة والشعر المرتبطة بمنظومة
القدامة تتحول تدريجيا نتيجة معطيات تاريخية معقدة حكمها قانون المناورة
والاستبدال- يمكن أن نوضحه في مقالات لاحقة -إلى قطب تقديس أعلى وأهمّ على
المستوى المعرفي والعملي عند العرب من قداسة النص القرآني ذاته.. وهذا
النزوع التدريجي إلى حصر القداسة في اللغة والشعر ألبس على أهل النظر
والمعرفة والمثقفين عموما كثيرا من الحقائق بل وساهم في وجود نزعة فكرية
خطيرة تستعذب مخادعة النفس وتصوير الواقع على غير حقيقته بما ساهم في شلّ
قدرات الفهم والإبداع في العقل العربي الإسلامي وأفقر روح المثابرة
والتجديد عند العرب المسلمين لانّ عدوى المدح والهجاء المنتقلة من الذاكرة
الشعرية طبعت الشخصية العربية بطابع الميل إمّا إلى الاستغراق في مدح
الماضي وهجاء الحاضر أو في هجاء الماضي ومدح الحاضر وهما موقفان يخذلان
بشدّة التطلع العربي الإسلامي إلى واقع أفضل وحضور أذكى لأنّ كلاّ منها
بنى علاقته بموضوعه على أسس شكلية مرضية غير واقعية يتم فيها التضحية بروح
التاريخ وجوهره لصالح أنانيات فردية أو جماعية.. فالمدح يقتل الحقائق
وينزع منها جوهرها ويحول الأوهام المعرفية إلى أصنام مقدسة وهذه الصيغة في
التعامل مع إبداع وعلوم الماضي أو إبداع وعلوم الحاضر تجعلنا غير قادرين
على الإبداع في وجهه العام بما هو قوة معرفة واكتشاف وتجديد ومشاركة حيوية
خلاّقة في الثقافة الإنسانية تذهب إلى صميم الحقائق وتنتزعها انتزاعا
خلاقا يساهم في تشكيل الوجود على نحو أكثر عمقا وجدوى وفاعلية وجمالا إلا
إذا خضنا بكامل العزم والجدية صراعا قويا مع تاريخنا وبنياته العميقة من
أجل تخليصه من هذه الروح السطحية الساذجة والقاتلة.. ولا ينفعنا في هذا
هجاء ماضينا ولا مدح الحداثة لفظيا وخيانتها عمليا فالمأزق اليوم هو بدرجة
أولى مأزق إنساني عام ويتمثل في اختلال منظومة القيم العالمية وزيفها –
وسنبين هذا الزيف في الجزء الثاني من الدراسة – غير أن العقل المدحي
العربي يحاول أن يصور لنا تحت ضغط انبهاره الشديد بتفوق الغرب وعلاقته
المدحية والتعظيمية له على أنه مأزق تخلف عربي فقط وان الغرب في منأى عن
ذلك و في حصن منيع من أخطار هذا التخلف باعتباره نموذج التحضر والتقدم
العالمي ولكننا نجد أنّ كبار علماء الغرب يكذبون هذا القول و ينبّهون إلى
شمولية الأزمة العالمية بشكل استباقي حيث نجد ألبرت اينشتاين قد نبّه قبل
أكثر من خمسين عاما -رغم كونه كان من أوائل من سعى في خراب العالم من خلال
التشجيع والعمل على صناعة القنبلة النووية- إلى : ” إن عالمنا لمهدد بأزمة
هي من الاتساع بحيث تفلت عن أولئك الذين بيدهم السلطة لاتخاذ قرارات كبرى
من أجل الخير “16- وسبب كل ذلك يعود في رأيه إلى :” إن القوة المنعبثة من
الذرة غيرت كل شئ باستثناء أنماط تفكيرنا . وهكذا فنحن ننزلق إلى نحو
كارثة لاسابق لها وإذا كان على الانسانية أن تبقى حيّة فلابد لها من طريقة
تفكير جديدة “17-..
إضافة إلى إثباته لوضعية العلم التراجيدية التي أصبح يعيشها يقول :” إن
قدر العلم اليوم أن يعيش وضعية تراجيدية ، لقد صنع بجهد يكاد يفوق الطاقة
البشرية أسلحة استعبدته اجتماعيا ومحقت شخصيته” 18
ولهذه التنبيهات أهمية قصوى في إثبات ثلاث حقائق على الأقل:
1-الإقرار من الغرب ذاته، ومن طرف أهم رموزه العلمية المعاصرة بانزلاق
الإنسانية نحو كارثة لا سابق.. ويبدو من خلال الأحداث العالمية الكبرى
التي نعيشها أن الكارثة مازالت في طريق تكونها وتشكلها التدريجي وهي
تستكمل شروطها في ضلّ استمرار التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير مقابل عدم
تغيير أنماط التفكير البشري ..
2- التأكيد على أن استمرار الحياة على وجه الأرض مشروط بابتكار طريقة
تفكير جديدة تساهم في تطوير أنماط تفكيرنا وتمثلنا للوجود وتجعلنا أكثر
مواكبة للمتغيرات وأكثر قدرة على مواصلة مسيرة الحياة بكفاءة وثبات وصلاح …
3- الإقرار بان العلم الغربي اليوم مستعبد اجتماعيا وفاقد لشخصيته وهو
الأمر نفسه الذي يعيشه العلم العربي منذ نشأته مما يؤكد وجود تقاطع بين
علمنا وعلمهم اليوم في نقطة إفراغ العلم من مفاهيمه ودلالاته وتوظيفه في
غير وظيفته الأساسية باستلاب قيمه وأهدافه الإنسانية النبيلة ولابد لهذا
الأمر ألا ينسينا كل الاختلافات الكبرى الموجودة بين علمنا وعلمهم في أصل
النشأة …
ورغم معرفتنا بخلفية طرح اينشتاين الإيديولوجي والذي يشرّع من خلاله
إلى طريقة تفكير يهودي أكثر منه دعوة للوقاية من هذه الأزمات أو دعوة
للابتكار فكر إنساني عميق وشامل يحلّ المأساة قبل وقوعها فان السؤال الذي
يستوجب أن نثيره على مستوى الفكر العربي الإسلامي هو : ألا يشكل اتساع
دائرة الأزمة العالمية المتولدة عن التقدم العلمي والتكنولوجي الغربي
واستشعار الخطر المبكر بانزلاق الإنسانية نحو كوارث متتالية مدخلا معاصرا
أكثر لياقة وتشريفا للعرب والمسلمين كي يشاركوا الإنسانية كافة ثقافيا
وحضاريا في البحث عن الحلّ بعد تصحيح مسار تاريخنا العربي الإسلامي وتجديد
فاعلية قيمنا في صناعة الإنسان الكوني الذي يبني الحياة ويصون خيراتها ولا
يهدمها ويهدر طاقاتها ..وهذا ما يحتاج منا في هذه الدراسة إلى بيان كيفية
صناعة القيم المزيفة انطولوجيا في الفكر الإنساني عامة بعد أن بيناّ عوائق
نشأة الإبداع والعلم العربي بفعل هيمنة المطلب المدحي والهجائي لمنظومة
القيم الجاهلية على الروح العربية وعجزها عن استيعاب قيم المنظومة
الإسلامية الحادثة بالنص القرآني وبمعطيات التاريخ الحافة بأشكال قراءة
هذا النص وتجسيمه في واقع الحياة البشرية…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ابن خلدون ،المقدمة ، الدار التونسية للنشر، ج 2، ص 756
2 – محمد ابن سلام الجمحي ، طبقات فحول الشعراء ،السفر الأول، قراءة وشرح محمود محمد شاكر ، القاهرة مطبعة المدني ،ط 1974:2
3- نفس المرجع، ص740
4- ابن رشيق ،العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، تحقيق محمّد محي الدين الحميد ،دار الجيل بيروت ،ط 5 ص120
5- نفس المرجع ،ص120
6- نفس المرجع ،ص 121
7 – نفس المرجع ،ص120
8- نفس المرجع ، ص 25-26
9- نفس المرجع ،ص26
10- نفس المرجع ،ص 22
11-أبو القاسم الشابي ، الخيال الشعري عند العرب ، سيراس للنشر ص 105
12-نفس المرجع ،ص108
13-نفس المرجع ،ص 111
14نفس المرجع ، ص100
15-ابن خلدون ، المقدمة ، ص 756
Albert Einstein , L’ express 27 Novembre 195416-
17- المرجع نفسه
18 المرجع نفسه
التعليقات 13 على “زيف القيم واضطرابات العقل : نحو البحث عن أرضية فكرية صلبة لوعي جديد”
[list=1]
[*]
فاطمة بن محمود / تونس علق:
15 نوفمبر 2009 في الساعة 11:38 ص
في البدء .. مرحبا بك ، أشرقت الصفحة بحضورك المضيء و نصك الهادر.
سعيدة أنا يا عبد القادر اذ تؤثث الموقع بشخصك الكريم الذي يتميز بأخلاق انسانية راقية و كتابات ابداعية متنوعة ..
نصك اليوم بمثابة وثيقة تكشف اللثام عن حقيقة الخطاب الشعري في العقل العربي و قد راقني جدا أن أعتبر الشعر بمثابة العلم .
كما بدا لي وجيها جدا تلك المخاتلة التي حوّلت العقل العربي الى حصر
القداسة و تدريجيا بدأت تتسرب اليه قيم التخاذل و الضعف و شلّ قدرات الفهم
و الابداع و قد تمادى الأمر الى ما انتهيها اليه..
في آخر المقال تشير الى التقاطع بين الالعقل العربي و العقل الغربي و
كأنك تلمّح الى هزيمة الغرب انسانيا و أخلاقيا و يبدو حسبما فهمت كأنك
تحمّل المشعل للعقل العربي…هكذت فهمت ا
أنا أحب التفاؤل و لكن عكسك لا أجد له مبررا على الاطلاق فهيمنة
العولمة الشرسة على مختلف مجالات االعالم المتخلف لا تبقي و لا تذر ..
انها تأتي على العقل و الروح و الذوق . انها بصدد هيكلة الجيل القادم على
مقاسها.. و ما ردّات الفعل المضادة لها هنا و هناك الا ضربات ضعيف القوى،
خائر النفس ، محدود التفكير..
أميل الى تشاؤم مؤسس على تفائل ساذج.
عادة.. لا أحب أبدا أن أتحدث في هذا الموقع غير حديث الأدب شعرا أو قصة
أو نقدا وهو اختيارا أقصده لاعتبارات عديدة و لكن انتصر مقالك الرائع عليّ
و افتكني مني لأقول قليل جدا من الكثير جدا الذي طرحته..
ربما هي طريقة أخرى للترحيب بك .
دمت رائعا..
مودتي العالية.
[*]
عبد القادر بنعثمان علق:
15 نوفمبر 2009 في الساعة 7:05 م
الشاعرة الحكيمة والرقيقة
فاطمة
لقد كنت أسرع مني إلى قراءة الدراسة في موقع دروب
لاني لم أكن أتصور أن تنشر بهذه السرعة…
وهذه ميزة أخرى أكتشفها في هذا الموقع الذي أعلنت في أكثر من مناسبة عن
أهميته الفكرية والابداعية العربية وكتبت بعضا من ذلك في مجلة “الملاحظ
التونسية” الأسبوع الفارط …
أعترف لك بحقيقة هامة : إنني رغم كل كتاباتي الصحفية ومساهماتي الابداعية
مازلت أخاف كثيرا من الكتابة واعتبرها مسؤولية تاريخية خطيرة أولا وكل شيء
..وحتىقبل ان تكون متعة شخصية ورغبة في الفعل والحياة ..لقد كنت أشعر
بقليل من القلق عندما اعلنت عن رغبتي في المشاركة في ركن طشخصية وتجربة”
ثم أخذتني مشاغلي ومساهماتي في الصحف والمجلات التونسية يعيدا جدّا ولم
أستطع الوفاء بالطلب …
إن هذه الدراسة كانت في الواقع مجرد جملة بدأت بها النص الأصلي ولكني أردت
التعمق فيها قليلا فاذا بها تفتح لي أبواب الماضي جميعها …وكان عليّ لكي
أصل إلى ما أحبّ أن أبدأ بما لاأحبّ ..
أشعر منذ سنوات بأحقيّة الكلام المرجعي المؤسس ولكن أحجم عن ذلك دائما تحت
ضغط الرغبة في ضرورة إكتمال تجربتي التي قطعتها منذ قارقت جريدة “الرأي
العام اليومية التونسية”
وأحتاج اليوم إلى قول الكثير من الكلام الحضاري أساسا فذلك هو همّي الأول
ومهمّتي التاريخية الحضارية الانسانية : أن أساهم في نهضة هذه الامة
والتخفيف من آلامها حتى من خلال مزيد تعميق جروحها نفسها ومضاعفةآلامها،
وان أجتهد في خدمة الانسان الكوني والحياة مهما ستكون ضحالة خدمتي
ومحدوديتها..ّ وقد يكون ذلك ببطء شديد وحذر ولكن من الأكيد والضروري أن
يكون بثبات…
لقد تعلمت التفاؤل في تجربتي الجديدة لان التفاؤل هو صنو الحياة.. وهو
مصدرها ونورها واشعاعها السماوي الرفيع .. ولو قدر لي أن أعيش اليوم في
القبر فاني أعتقد أني سأحيا سعيدا مشرقا تمام الاشراق فالموت هو قدر
الجبناء فقط يحيونه في الدنيا قبل الممات حتى ولو كانت عيونهم مفتوحة أماّ
من عرف الله بخبرة وعلم وأحبّه بجنون وارتقت نفسه في مراتب الوجود الجميل
وتجاوز بعض خراريف المفكرين المفلسين فلابد له أن يجد سعادته في سعادة
الكلّ الانساني وان يقتل في نفسه الانانية وسذاجة التفكير الفقهي العربي
السطحي وحمقه ..
لقد فرحت بموقع دروب لمّا أكتشقته لأنّي وجدت فيه خروجا على المواقف
النمطية وبلادة الاطروحات الاديولوجية التي تقتلها الافكار الجاهزة
المسبقة وبرودة العواطف الوثنية وتحكمها المعايير الثابتة التي لم تغيرها
كل هموم الامة ومآسيها…
أؤمن اليوم بضرورة مشاركة العرب المسلمين في صياغة الخطاب الحضاري العالمي
العام، وهذا مستحيل بشروطه الراهنة فنحن أمة ذليلة مهانة مستعبدةو مستهلكة
في كلّ نواحي الحياة وليست منتجة وعلى هذا الاساس لايمكن تصور النهضة ولا
السيادة ولا الاعتراف بنا كأمّة ولا التعامل بندّية مع أي قوم من أقوام
العالم المتقدم دون تجاوز هذه الوضعية ..هذه الحقيقة لابد أن نضعها نصب
اعيننا بشكل يومي أكيد وحاسم …
إن هأساة وجودنا العربي الاسلامي مأساة تاريخية هيكلية وليست مأساة عرضية
لأن حضارتنا أستأنفت وجودها بعد الرسول الكريم محمد (ص) -كما يمكن أن
أبينّه في مقالات لاحقة – كأمّة مشلولة فكريا تخطّت شللها سياسيا ولم
تتخطاه فكريا ثم تمكنت من بسط نفوذها على العالم عسكريا،
والمؤسف أن شللنا المعرفي اليوم هو استمرار لذلك الشلل الوظيفي الاول الذي
أعلنت عن ولادته حادثة السقيفة والغريب أن اقترنت محاولات النهضة بالدعوة
إلى محاكاة الجزء المشلول مناّ لا الجزء الفاعل الحي ظنا منهم، ومكرا من
بعضهم بان ذلك الجزء هو سبب قوتنا الحضارية العالمية في العهد الزاهر …
وهذا ما يحتاج إلى توضيح وجهد عملي جبّار لكشف ملابساته …ولا بد في هذا
السياق أن نوجه تحية تقدير إلى كل المفكرين العرب المخلصين والذين تحملوا
مسؤولية إزاحة طيقات الظلام عن تاريخنا بشكل منهجي أقرب إلى العلم منه إلى
الظن ..ومنهم المفكر العميق سيدّ القمني الذي يعيش محنة لابد من نصرته
فيها نصرة لالبس فيه حتى وان اختلفنا معه في في بعض طرحه أو كلّه لانه لا
سبيل اليوم اليوم إلى ردة علمية بعد ان أثبت العلم نجاعته وقوته وعدالته
في تحقيق الوجود الانساني الراقي رغم كل المآسي التي نراها منجرّة عن
قصورنا وشللنا المعرفي العام بالاساس ..
أجدد شكري لك أن كنت أوّل من قرأ لي في دروب
وشكري لأسرة دروب وللعميق فاضل التركي على السرعة والتفاعل وحسن الاستقبال
وللمبدع كمال العيادي على جهده الراقي في إحياء هذا المنبر بالجديد…
ولابد أن استسمح القراء الكرام بعدم البخل عليّ بملاحظاتهم وأرائهم حتى
يساهموا في تطوير نظرتنا إلى بعض جوانب الموضوع المطروح وإثرائه عسى الله
أن يكلل مجهودنا بالنجاح والافادة..
شكرا للجميع
مع خالص محبتي وتقديري
عبد القادر بنعثمان
“خادم توجه أسئلة الابداع العالمي بتونس “
[*]
حدجامي عادل علق:
16 نوفمبر 2009 في الساعة 1:53 ص
أخي
عبد القادر، كنت أنتظر صدور هذا المقال ،و ها هو قد صدر، و الحق لا أكتمك
أنه مقال متميز.و هو متميز لأسباب أحددها مبدئيا في خمسة، أولا لغته
وثانيا شساعة ما يطرقه و ثالثا طرافة أطروحته و رابعا دقة إحالاته، و
خامسا مقاصده القيمية النهضوية الرفيعة . إن أردت أن ألخص أطروحة النص
سأقول أنها تتقدم في لحظتين، اللحظة الأولى تطلع ببيان الأصل الشعري
للثقافة العربية، فالشعر ديوان العرب كما قيل قديما، و أنت تبين أن ديوان
هاته تعني أن الذاكرة الثقافية العربية هي ذاكرة شعرية بالأساس ، و تكشف
بعض النتائج المهمة التي تترتب على هذا الحكم. اللحظة الثانية تطلع ببيان
الكيفية التي يخرج فيها هذا التصور الشعري من الشعر لينسحب على مجموع
طرائق التفكير عند العرب، فيتحول بذلك ، من مجرد ذاكرة ثقافية ليصير أساس
العقل العربي.و أنت تزيد في تدقيق المسألة فتبين بأن الشعر ينحصر في جله
افي لمدح و الهجاء، و تحاول بناء على ذلك أن تبين الكيفية التي اشتغلت بها
هذه الثنائية: هجاء – مدح، في صياغة نظام القيم العربية فيما بعد، و أثر
هذه القيم في السلوك و الإدراك و الوعي عندالعرب. حقيقة لا أخفيك أنني أجد
هاته الأطروحة مهمة ، و لكنها أيضا شاسعة جدا و يحتاج تأكيدها و توضيح
عناصرها إلى جهد قد يأخذ العمر كله. و أنا في الحقيقة لا يسعني إلا أن
أستحضر أستاذي محمد عابد الجابري، ، فأنت تعلم بأن الأستاذ الجابري قد
اشتغل على نفس الموضوع تقريبا\نقد العقل العربي\ الذي صدر في أربعة أجزاء،
تكوين العقل العربي، بنية العقل العربي، العقل السياسي العربي، نظام القيم
العربية. و أنا أجد تقاطعات كثيرة بينكما ، فأنت تقول أن الشعر هو جوهر
الثقافة العربية سلبا و إيجابا ، و هو يؤكد أن الأعرابي، في عصر التدوين ،
هو صانع العقل العربي، و ما ذلك إلا لأنه هو من مثل المرجع اللغوي ،و
بالتالي الثقافي ،في الأدب و التشريع، و أنت تقول بأن قيم العروبة القديمة
قد تسللت عبر الشعر لتصوغ الوعي الأخلاقي للإنسان العربي ككل ، و هذا قريب
مما يقوله هو نفسه في نظام القيم العربية. و أنا أخي عبد القادر أدعوك
بالمناسبة و بحرارة لقراءة هذا الكتاب المعلمة، خصوصا جزءه الأول و الرابع
منه.
أود أن أساهم معك في تعليقي هذا بالجواب عن سؤال هو: لماذا كان الشعر
بالضبط هو المرجع الأساسي للعقل العربي؟ و أنا أملك بعض عناصر الجواب
الآن، لكني أستميحك أن أتركها ت لبعض الوقت قبل أن أكاتبك بجوابي ، و إن
استطعت لذلك سبيلا فسأكتبه غدا إنشاء الله.
أهنئك على هذا المقال الذي أفخر بالمساهمة فيه يا عبد القادر، فأنت أستاذ يفخر المرء بالحديث إليك و مناقشتك .
محبة من أخيك.
[*]
عبد القادر بنعثمان علق:
16 نوفمبر 2009 في الساعة 11:17 ص
بسرعة وحرارة صباحية
طالعت تعليقك
أخي العميق عادل
ولا يمكن أن أؤجل إعلان سعادتي بماجاء فيه
وخاصة في بعده المنهجي العلمي في قراءة المحتوى
يبقى أن مشكلة الكتابة عندي هي هذه : إنني كلما أردت ان أكتب فكرة بسيطة
أجدها تتفرع وتتعملق إلى درجة أن كل مقال أو دراسة كانت تهزمني لاحساسي
بعدم اكتمالها وانها محتاجة كي أرضى عنهل إلى استنفاد العمر كله كي أبنيها
بناء علميا مفيدا ومؤثرا
لذلك أحجمت عن الكتابة في منا سبات كثيرة رغم كثرة إغواءاتها ووجود بعض المنابر الاعلامية المحترمة التي يمكن المشاركة فيها
ولكني الآن بدأت استشعر بعض النضج والوضوح والاستقرار النفسي والمادي بما
جعلني أرضى قليلا على ما بدأ يتشكل لي من أفكار ومفاهيم تستطيع ربما أن
تقدم لبعض مشاكلنا بعض الحلول وبعض الاسس الفكرية الجديدة لمستقبلنا
الفكري العربي والاسلامي ..
لقد اشتغلت كثيرا وطويلا على بعض المفاهيم الخاصة في ‘طار تجربة كاملة
استغرقت أكثر من عشر سنوات خضتها بوعي قاس وتصميم شديد وعناوين مرحلية
سنكتبها في قادم الايام دون عجل
المفكر عابد الجابري معروف جدّا في أوساطنا الثقافية التونسية وقد أطلعت
على بعض أفكاره بشكل مبكر في الثانوية وفعلا أنا محتاج إلى مراجعة كتابته
والنظر فيها بعين أكثر اتزانا وعدلا وخبرة…
أؤكد أن موضوع المقال كان في أصله جملة واحدة أردت التوسع فيها قليلا ولو
قدر كتابته بالشكل الذي يرضيني لما نشرته ولبقيت سنوات أخرى أعمقه ..لقد
أسقطت منه الكثير خوفا من الاطالة وخوفا من ضياع جديد لمطلبي كتابة النص
الاصلي الذي يتعلق ببناء الأرضية الضرورية للوعي الجديد
شكرا على التفاعل الجاد وعلى الاهتمام العميق
مع فائق محبتي وتقديري
عبد القادر
[*]
عبد القادر بنعثمان علق:
16 نوفمبر 2009 في الساعة 11:19 ص
بسرعة وحرارة صباحية
طالعت تعليقك
أخي العميق عادل
ولا يمكن أن أؤجل إعلان سعادتي بماجاء فيه
وخاصة في بعده المنهجي العلمي في قراءة المحتوى
يبقى أن مشكلة الكتابة عندي هي هذه : إنني كلما أردت ان أكتب فكرة بسيطة
أجدها تتفرع وتتعملق إلى درجة أن كل مقال أو دراسة كانت تهزمني لاحساسي
بعدم اكتمالها وانها محتاجة كي أرضى عنهل إلى استنفاد العمر كله كي أبنيها
بناء علميا مفيدا ومؤثرا
لذلك أحجمت عن الكتابة في منا سبات كثيرة رغم كثرة إغواءاتها ووجود بعض المنابر الاعلامية المحترمة التي يمكن المشاركة فيها
ولكني الآن بدأت استشعر بعض النضج والوضوح والاستقرار النفسي والمادي بما
جعلني أرضى قليلا على ما بدأ يتشكل لي من أفكار ومفاهيم تستطيع ربما أن
تقدم لبعض مشاكلنا بعض الحلول وبعض الاسس الفكرية الجديدة لمستقبلنا
الفكري العربي والاسلامي ..
لقد اشتغلت كثيرا وطويلا على بعض المفاهيم الخاصة في ‘طار تجربة كاملة
استغرقت أكثر من عشر سنوات خضتها بوعي قاس وتصميم شديد وعناوين مرحلية
سنكتبها في قادم الايام دون عجل
المفكر عابد الجابري معروف جدّا في أوساطنا الثقافية التونسية وقد أطلعت
على بعض أفكاره بشكل مبكر في الثانوية وفعلا أنا محتاج إلى مراجعة كتابته
والنظر فيها بعين أكثر اتزانا وعدلا وخبرة…
أؤكد أن موضوع المقال كان في أصله جملة واحدة أردت التوسع فيها قليلا ولو
قدر كتابته بالشكل الذي يرضيني لما نشرته ولبقيت سنوات أخرى أعمقه ..لقد
أسقطت منه الكثير خوفا من الاطالة وخوفا من ضياع جديد لمطلبي في كتابة
النص الاصلي الذي يتعلق ببناء الأرضية الضرورية للوعي الجديد
شكرا على التفاعل الجاد وعلى الاهتمام العميق
مع فائق محبتي وتقديري
عبد القادر
[*]
عبداللطيف الحسيني - سوريا علق:
16 نوفمبر 2009 في الساعة 1:11 م
الحكيم عبد القادر بنعثمان:
1 – ذهنيّة التقليد العربيّة , مردّها ( السلطة الثقافيّة) التي تُبعدُ
ثورة التجديد عن المناهج العلميّة – الدراسية ’ وإنْ أتتْ بها ,فعلى عجل
دونَ التوقف مليّا في انتشارها و منحها البعد الحياتيّ – الجماليّ , ومَنْ
أتيتَ بشهودٍ على الفكر العربي ( المتحوّل) لا ( الثابت) هم مَنْ أناروا و
بنيرون الفكر المعاصر , مثالا : الجابري وطيب تيزيني و أدونيس ….
2 – (إنّ الروح السائدة في ذلك هي النظرة القصيرة الساذجة التي لا تنفذ
إلى دواخل الأشياء وصميم الحقائق) هو ذا الشابي بكلّ ثقله الأدبيّ يقولُ
هذا الكلام قبل حوالي نصف قرن , قالها الشابيّ من خلال عمقه في قراءاته
الفكريّة و الأدبية , عدم الدخول إلى دواخل الأشياء أدّى إلى التسطح
الفكري , فالأدبي , فالشعريّ . من هنا أيها الحكيم عبد القادر بنعثمان جاء
الطرحُ الحديثُ الذي يقولُ : لا نكتبُ عن الأشياء , وإنما نكتبُ الأشياءَ .
تحية لرصانة صاحب أسئلة الابداع .
[*]
عبد القادر بنعثمان علق:
17 نوفمبر 2009 في الساعة 1:29 ص
الكاتب اللّطيف حقا
عبد اللطيف الحسيني
شكرا على مداعبتك لي ومناداتي بالحكيم ..
والحكمة مطلب صعب المنال لم يجرؤ على الاتصاف به حتى فلاسفة اليونان رغم
مأثورهم الفلسفي العظيم المهبر فقد دلّت كلمة فلسفة عندهم في معناها
الإغريقي على :محبة الحكمة وليس انتاج الحكمة وهو مايعني ضمنا الافتقار
إليها والسعي في طلبها أكثر من معنى إدعاء القدرة على انتاجها…
وإذا كانوا هم على ماهم عليه فكيف بنا نحن سليلو مجد الشعر ولاعقل ..ومجد
الكلام ولا فعل ..ومجد الوجود ولا حياة ..ومجد الكلمة ولامعنى ..ربما أقصى
مطامحنا هو ان نحيا خدّاما للحكمة وذلك شرف عظيم لا يناله المرء إلا
إذاتوفر له من الاسباب والشروط ما يجعله يجد مخدومه..
إن الحكمة ثمار لشجرة الجنون
ولايستطيع العقل اليوم أن يقطف ثمارها ويتذوق طعمها إلا متى بلغ مرتبة اعلى من الجنون..
فهل لنا القدرة على تحمل ذلك ؟..
في كل الاحوال سنعمل على نيل حتى شرف خدمة الحكمة على الأقل باعتبارها باب
خير كثير أثبته النص القرآني ومدحها الله في آياته ورفع منزلتها بقوله عزّ
وجلّ:ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”
أما بالنسبة لأساطين الفكر الثلاثة : محمدعابد الجابري وطيب تزيني وادونيس
فانهم ليسوا على نفس القدر من الفكر النقدي التنويري والقدرة المنهجية
التحليلية والرشاقة الفكرية التعبرية الممتعة .. وأفضّل أدونيس على كثير
من المفكرين العرب لأعتباره أكثر جرأة وسبقا في إعلان مشروع الحداثة
الشعرية انطلاقا من مجلة شعر اللبنانية سنة 1957 وخروجه من قوقعة المعرفة
الاكادمية الصرفة إلى شساعة الفكر
الابداعي الخلاق ،متنقلا من الممارسة السياسية إلى الشعر إلى النقد إلى
الحضارة ..ثائرا ومغامرا ومنطلقا غير عابئ بكثرة الأعادي والخصوم مستهزئا
من عقل يفكر في إطار حضارة منقرضة لا في إطار حضارة مبدعة حسب قوله في أحد
حوارته التلفزيةالاخيرة
شكري الخاص لك على مرورك الثري والمثير
وفتحك باب للتوصل معك
بهذا القدر من الدعابة والجدّ أيضا
مع فائق محبتي و احترامي
عبد القادر
[*]
منجي حمودة علق:
17 نوفمبر 2009 في الساعة 2:36 ص
أخي
بنعثمان المتميز ، أهنئك على متانة طرحك، و على جوهر فكرتك التي أوضحها
المعلق عادل حدجام بشكل جلي، و أنا أوافقك على هذا الطرح يا بنعثمان، و لو
أني قليلا ما اراك في دروب. دمت بخير يا صديقي، و اتمنى ان اراك أكثر
[*]
عبد القادر بنعثمان علق:
17 نوفمبر 2009 في الساعة 11:10 ص
ما أجمل ان يستيقظ الانسان
على التهنئة
اأيها الفاضل الكريم منجي حمودة
أنا ابن الأربعين التي كنت أراها في الصغر عند الآخرين كجبل شاهق
ولكني أصل إليها اليوم بمشاعر ذلك الطفل الصغير الذي مازال رغم كل ماعرف
من أهوال ومحن صفحة بيضاء ليس له من العلم شء رغم محبته للعلم ..إنني
مازلت لم أر الدنيا بعد ،ولم أعشها ولم أفهم منها شيئا ..وما أجهله كثير
جدّا وواسع جدّا ومؤلم جدا وهذا الجهل وحده لحظة الشعور به هو الذي ينقّي
عقلي من الادران والكبر ويشفيني من أمراض النفس وهيجان التفكير وهو وحده
الذي يهوّن عليّ الاتعاب فكل لحظة معرفة صادقة هي نور جديد ومتعة جديدة
تغني بنفسها عن نفسها وعن متع الدنيا الكثيرة التي أحرم منها نفسي باختيار
وتصميم
نحن في الواقع محتاجون إلى التفكير العلمي في كل شيء رغم شبه استحالته في
علوم الانسان ..وحتى بعض الظنون عندما نحاول بصعوبة ما إخضاعها إلى حكمة
العقل ومنهجه تضعنا على درب التحديث الفكري الضروري لأمة أختارت أن تكون
عدوة للعقل رغم ماجاءت به منظومة القيم المستحذثة بالنص القرآني في لحظة
الوجود الاول من تشريع للعقل ودفع وتشجيع عليه..
علينا نحن أبناء هذا الجيل المأساوي أن نحاول خرق شرخ جدار الغباء والحمق
الحضاري العربي كمحاولات أولى لانعاش حالتنا الفكرية..علينا فك عزلة الفكر
وحصار العقل من طرف الهيمنة الفقهية الجاهلة والماكرة
علينا إنعاش هذا الجسد الحضاري الممدود في العالم محتضرا بما يكفي من هواء الحرية والأوكسجين
http://www.doroob.com/?p=40305:مواصلة الموضوع على الو